هذا كتاب رواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن المصنف؛ الذي يروي فيه عن مائة وأربعة شيوخ؛ أكثر من نصفهم من التابعين، وجلهم من الثقات، أو ممن يقاربهم، وروايته عن الضعفاء والمتروكين قليلة، وقد اشتمل الكتاب على المرفوعات والموقوفات والمقطوعات وقليل من الإسرائيليات، والكتاب مقسم على أبواب ترتيبها ليس بكامل الدقة، وقد تتكرر بعض التراجم، وربما جمع بين مسألتين في ترجمة واحدة، وتراجمه مختصرة، وفي الكتاب عناية بالشواهد والمتابعات وزيادات الرواة.
1- اقتصر فيه على إيراد الأحاديث التي عمل بها فقهاء الأمصار. 2- إنه أول كتاب شهر الحديث الحسن، لكثرة ذكر الترمذي لذلك عند الكلام على الأحاديث. 3- حكم الترمذي في كتابه على أكثر الأحاديث، وتكلم عليها بما يقتضي التصحيح أو التضعيف. 4- يعنون للباب غالبا بالحكم الذي يدل عليه أصح أحاديث ذلك الباب. 5- قوله: في الباب عن فلان وفلان لا يعني أن هؤلاء الصحابة رووا ذلك الحديث المعين بلفظه، إنما يقصد وجود أحاديث أخرى يصح إيرادها في ذلك الباب. 6- في جامع الترمذي الصحيح والحسن والضعيف، ومناكير قليلة، إلا أنه حكم عليها، ولم يخرج فيه لمتهم بالكذب متفق على اتهامه، ويجب عرض أحاديثه على قواعد الجرح والتعديل، وقد جرد الشيخ الألباني أحاديثه المقبولة في صحيح جامع الترمذي. 7- أورد فيه كثيرا من فقه الصحابة والتابعين ومذاهب فقهاء الأمصار، فهو من أهم مصادر دراسة فقه الخلاف المذهبي.
قد عني الترمذي بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود ، ولكنه بين الحديث الصحيح من الضعيف ، وذكر مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار . وذكر الشيخ أحمد محمد شاكر ، في مقدمة تحقيقه لسنن الترمذي أن كتاب الترمذي هذا يمتاز بثلاثة أمور لا تجدها في شيء من كتب السنة ، الأصول الستة أو غيرها : أولها: أنه يختصر طرق الحديث اختصارًا لطيفـًا ، فيذكر واحدًا ويومئ إلى ما عداه ، يقول الشيخ أحمد شاكر : " بعد أن يروي الترمذي حديث الباب يذكر أسماء الصحابة الذين رويت عنهم أحاديث في هذا الباب ، سواءً أكانت بمعنى الحديث الذي رواه ، أم بمعنى آخر ، أم بما يخالفه ، أم بإشارة إليه ولو من بعيد " . ولا شك أن هذا يدل على إطلاع واسع وحفظ عظيم. ثانيـًا : أنه في أغلب أحيانه يذكر اختلاف الفقهاء وأقوالهم في المسائل الفقهية ، وكثيرًا ما يشير إلى دلائلهم ، ويذكر الأحاديث المتعارضة في المسألة ، وهذا المقصد من أعلى المقاصد وأهمها ، فإن الغاية من علوم الحديث ، تمييز الصحيح من الضعيف ، للاستدلال والاحتجاج ، ثمَّ الاتباع والعمل . ثالثـًا : أنه يُعْنَي كل العناية في كتابه بتعليل الحديث ، فيذكر درجته من الصحة أو الضعف ، ويفصل القول في التعليل والرجال تفصيلاً جيدًا ، وبذلك صار كتابه هذا كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث ، خصوصـًا علم العلل وصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم ، وللمستفيد والباحث في علوم الحديث . يقول الشوكاني مثنيـًا على سنن الترمذي : كتاب الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة ، وأحكمها ترتيبـًا ، وأقلها تكرارًا ، وفيه ما ليس في غيره من المذاهب ووجوه الاستدلال ، والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث ، وتبيين أنواع الحديث : من الصحة والحسن والغرابة والضعف ، وفيه جرح وتعديل . ومما امتاز به الكتاب كثرة فوائده العلمية وتنوعها ، وفي ذلك يقول ابن رُشَيد : إن كتاب الترمذي تضمن الحديث مصنفًا على الأبواب وهو علم برأسه ، والفقه وهو علم ثان ، وعلل الحديث ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب وهو علم ثالث ، والأسماء والكنى وهو علم رابع ، والتعديل والتجريح وهو علم خامس ، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه وهو علم سادس ، وتعديد من روى ذلك وهو علم سابع ، هذه علومه المجملة ، وأما التفصيلية فمتعددة ، وبالجملة فمنفعته كثيرة ، وفوائده غزيرة . وكتابه الجامع المشهور بـسنن الترمذي يعتبر من أهم مصادر الحديث الحسن ، قال ابن الصلاح : كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه . ويبلغ عدد أحاديث جامع الترمذي 3956 حديثاً.
- هو أول كتاب أٌلِّف في الصحيح المجرد، ابتدأ البخاري تأليفه بالحرم الشريف، ولبث في تصنيفه ستة عشر عاما، وما كان يضع فيه حديثا إلا بعد استكمال سبل البحث فيه سندا ومتنا للتأكد من صحته، ثم يغتسل ويصلي ركعتين، ويستخير الله في وضعه في كتابه. وبعد أن انتهى منه عرضه على علماء عصره، فوافقوه على صحة أحاديثه عدا أربعة أحاديث تفاوتت وجهات نظرهم فيها. وقد قال المحققون من أهل العلم إن الصواب في ذلك إلى جانب الإمام البخاري، فكل ما في كتابه صحيح، وقد تلقته الأمة بالقبول جيلا بعد جيل، وأجمعوا عليه، وعلى أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. - قصد البخاري إلى جمع الصحيح دون غيره، واشترط أن يكون كل راوٍ في سند الحديث قد عاصر شيخه فيه وثبت أنه لقيه ولو مرة واحدة حتى يحكم باتصاله، بالإضافة إلى العدالة والضبط والسلامة من الشذوذ والسلامة من العلة القادحة، كما هو معروف في شروط الحديث الصحيح. وقد انتقى البخاري صحيحه من عدد كبير من الأحاديث الصحيحة راميا إلى الاختصار، ولهذا فإنه لم يستوعب كل الحديث الصحيح لئلا يطول الكتاب، قال البخاري: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ولم أُخرِّج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر، وخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله سبحانه».
أراد المؤلف رحمه الله أن يجمع كتابًا مسندًا مختصرًا مشتملًا على الصحيح المسند من حديث رسول الله ( وسننه وأيامه دفعه إلى ذلك ما بينه بقوله: " كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله (، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح " فقام بانتقاء هذه المادة من ستمائة ألف حديث، واستغرق ذلك منه ستة عشرة سنة. وقد تحصل له من خلال نقده لهذه المرويات الضخمة، بشروطه التي اشترطها(7167) نصًا مسندًا تمثل أصح الصحيح لأنه قد أضاف إلى ما اشترط في حد الصحيح تحقق اللقاء بين كل راو ومن فوقه, والتزم هذا. ثم رتب هذه المادة ترتيبًا عجبًا في كتب تندرج تحتها أبواب، وتحت كل باب عدد من النصوص يقل أو يكثر حسبما يتفنن المؤلف في إيراد ذلك. وقد انعقد إجماع الأمة على أن التراجم التي وضعها الإمام البخاري في كتابه نمت عن فهم عميق ونظر دقيق في معاني النصوص، حتى اشتهر بين أهل العلم قولهم: " فقه البخاري في تراجمه ". وتناول المؤلف في هذا الكتاب سائر أحكام الشرع؛ العملية والاعتقادية. وقد أتت مادة الكتاب مقسمة على(97) كتابًا بدأها بكتاب بدأ الوحي، فكتاب الإيمان، فكتاب العلم، ثم دخل في كتب العبادات الوضوء..إلخ، وختم الكتاب بكتاب التوحيد يسبقه كتاب الاعتصام بالسنة. وهو بهذا الترتيب العجيب يشير إلى أن الوحي هو طريق الشرع، والإيمان به عن علم مع تطبيق الأحكام التي أتى بها الشرع، يفضي بالمسلم إلى تمسكه بالسنة، وتحصيله للتوحيد الحق.